الأربعاء، 2 سبتمبر 2009

افكروجيا



إن الخيارات التي نتخذها من بين الخيارات المتاحه هي التي تحدد نمط ومنحى ونوعية الحياة التي نعيشها وتوفر اكثر من خيارين بحد ذاته اعتبره ترف لايحظى به الكثيرون وربما لايقدرون على تحمل تكلفته ، هذا شيء نعرفه كلنا .. بيد إن حقيقة الامر ليست كما تبدو في ظاهرها واتخاذ القرارات التي تحدد شكل الحياة التي سنعيشها لاتعتمد على كم وماهية الخيارات المتوفره لدينا بل تعتمد على الخلفية الفكريه لدينا ، و عندما نجد انفسنا امام وضع كهذا نلجاء الى التفكير العميق في ما هو متوفر امامنا ويقودنا ذلك تدريجيا الى ما اكتسبناه من حصيلة الافكار والمفاهيم التي تأثرنا بها او آمنا بها او اعتنقناها او حتى اقنعنا انفسنا بها .

ان حيثيات اتخاذ قرار ما في حياة كل شخص غالبا ما تكون مدفوعه بقناعات ذاتيه تخصه هو نفسه اكتسبها من خلال تجربته او مدى ادراكه واطلاعه على افكار غيره .

اعتقد جازما ان افكار الغير هي من اهم الاشياء التي تؤثر على اتخاذنا لقراراتنا وخاصة تلك التي تمس نمط حياتنا الذي ربما نعيشه او سوف نعيشه ، هذه الافكار قد تكون على شكل فلسفة ما او مسلمات و اوامر ونواهي او قد تكون سنن وقوانين ملخصه لفكرة او نظريه تهدف الى بناء شكل معين من اشكال الحياة التي نعرفها او نراها لدى الكثيريين ، والكثيرين هنا قد تكون شعب بأكلمه او شعوب بأكملها ، ان افكار كارل ماركس ذلك اليهودي الذي عاش حياة بوهيميه فرض نمطها على اولاده ليتسبب في مقتل ثلاثه منهم، والف كتابه الشهير ( رأس المال ) والذي تضمن نظريته التي عرفت فيما بعد بالنظرية الماركسيه والتي اصحبت فيما بعد ما يعرف بالنظرية الشيوعيه ، وهذه النظريه والتي كانت في بداية الامر افكارا وعملا نقديا .. لتصبح بعد وفاته شيء مقدس ولتصبح افكاره عقيده ونمط حياة لكثير من الافراد والشعوب بأكملها ، أي ان افكار هذا اليهودي اثرت على حياة الملايين بل على المليارات من البشر من بعده واصبح فكره عامل مؤثر في اتخاذ القرار لاختيار نوع الحياة لهم .

الفيلسوف الروسي ليو تولستوي مفكر اخلاقي و داعيه كبير له باع طويل في الادب الواقعي وافكار المقاومه المسالمه او السلميه ،، هذا الرجل الف كتاب اسمه ( مملكة الرب بداخلك ) و في هذا الكتاب نشر افكاره الرافضه للعنف والتي تدعوا للمقاومه السلميه .. وكتابه الاخر ( الخلاص في انفسكم )و لتجد افكاره اذان صاغيه له لدى ابن عائلة ثريه عرف عنها نشاطها السياسي ارسلته عائلته ليكون انجليزيا اكثر من كونه هنديا و ليعود الى الهند حاملا معه زاده من افكار تولستوي و يؤسس ماعرف بـ (الساتيارها ) او المقاومه السلميه والتي تشبعت بأفكار تولستوي إضافةالى الافكار المكتوبه في الملحمة الهندوسيه ( نشيد الطوباوي ) .. وليبداء بعد ذلك مشواره الشهير لتحرير الهند من سيطرة المملكه التي لا تغرب عنها الشمس .

ان القارئ للتاريخ الانساني يعلم جيدا ان عظماء التاريخ هم رجالا حملوا افكارا اعتبروها عظيمه ، سعوا لتكون هذه الافكار على ارض الواقع وفي احيان كثيرة لم تكن افكارهم هم بل يكفي انهم آمنوا بها وعملوا بها، قضوا حياتهم في سبيل تحقيقها وضحوا من اجل هذه الافكار ،

و رغم اجتهاد الكثيرون من الفلاسفه والمفكرين في معرفة ماهية وكينونة العامل الاساسي المحرك للتاريخ الا ان الجدل حول ماهيته لازال مستمرا .. بين عامل مادي او ديني او اجتماعي ..

عن نفسي ارى انه عامل فكري بحت بالرغم من وجود عوامل اخرى سواء كانت لاهوتيه او علوم وثنيه او مقرونه بالطبيعه البشريه حتى .

ان الفكر هو ما يشعرنا بوجودنا وبقيمة الاشياء لدينا ابتداء من انفسنا وانتهاء بأخر كوكب تقع عليه اعيننا ، وان افكار غيرنا قد نجد بها الاجوبه على اسئلة نود فعلا معرفة الاجوبه لها .

ان الفرق بيننا وبين الحيوان هو ان الحيوان لا يدرك انه موجود ، بمعنى ان ادراك الوجود بحد ذاته يمثل لغزا بالنسبه لنا وبمجرد ادراكنا لوجودنا حتى نبداء بالتفكير في المعنى من وجودنا وهنا فقط تولد الافكار ومن هنا بداءنا البحث عن اجوبتنا وعن الله ..

قد يكون كلامي ممل وفلسفي الا ان تبسيط هذا الامر ليس بالامر الهين .

اود ان اسأل سؤالا : هل تعجبك السيارة الالمانيه ؟

نعم او لا ليس هذه ما اريد معرفته .. انما قصدت معنى اخر بسؤالي ، لذلك سوف اصيغه مرة اخرى ان لم تفهم ما اقصده ..

هل يعجبك الفكر الالماني الذي انتج السيارة الالمانيه ؟

ان امتلاكك لنظرة اعمق للامور يجعل منك قادرا على تبسيط الاشياء ، بمعنى ان اعجابك بالاشياء لا بد ان يكون مقرونا بالفكر الذي انتجها وليس بما تبدو عليه ظاهريا او خارجيا .

ان الفكر هو الذي انتج بغض النظر عن منشأ الفكر و اصله او بلده فهو فكر اثر فينا وجعلنا نتبعه او نعجب به ولو كانت السيارة الالمانيه مذهبا لوجدت الكثيرون مما يعتنقون هذا المذهب .

ان الفكر او الافكار بمجملها تملك حق السيطرة علينا ولكن ان امتلكنا القناعات التامه بعدم نفعها لنا فأننا سرعان ما نرفضها ولا نتبناها وهذا هو سر القوة في الدين او العقيدة .. فضعف عقيدتنا وايماننا بشيء ما قد يجعلنا كالشمعه في مهب الريح ، سرعان ما نغير ولائنا ونتبع من له الفكر الذي يقدر على التأثير فينا .

ان الانسان بطبعه مفكر ولا يكتفي بجواب واحد ولا بسؤال واحد ، فحتى الاديان لم تسلم من الاضافات الفكرية الانسانيه عليها ، ووجود المذاهب دليل على ذلك وان كانت لاتخرج عن الدين الاصل الا انها تحمل في طياتها اجتهادا فكريا انساني هدفه ايجاد اجوبه لأسئله لاتنتهي ولكل مذهب معتنقين امنوا بفكره وصدقوه وعملوا به.

ان مجرد الاطلاع على افكار الغير لايعني بالضرورة اعتناقها وتبنيها والعمل بها ولكن قد تحوي هذه الافكار على اشياء تجعلنا نجد فيها العون على اتخاذ قراراتنا، رغم ان هذه الافكار قد تكون غريبه عن بيئنا وواقعنا الذي نعيشه انما يكفي فقط ان نؤمن بها حتى نجد انفسنا قد تأثرنا بها .

و بغض النظر عن مدى اختلافنا في رؤيتنا لشيء ما فلكل منا مفهوم خاص للحقيقه والجنه والرب .. الا اننا دائما نتقاتل من اجل افكارنا وليس من اجل مفهومنا لشيء دون اخر .. وقد يقول لي البعض ان مفهومنا لشيء ما هو جزء هام من افكارنا عنه الا ان حقيقة الامر ان الفكر دائم التجدد ولكن المفهوم لا يتصف بالتجدد عن الكثير من الاشياء.

لعل اتخاذنا لموقف ما تجاه خبر نسمعه في الاخبار مثلا ما هو الا موقف مبني على افكارا آمنا بها وبالتالي نحسم امرنا تجاه ما يتعارض معها وما يؤيدها ،الا ان خلاصة القول تتمثل في موقفك تجاه امر ما او خيار يجب عليك اتخاذه وقرار سوف تتخذه .. عندها فقط تجد نفسك قد بدأت تفكر .

وكم متعب هو التفكير .. اليس كذلك ؟